" وفي انفسكم افلا تتفكرون"
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
لقد منّا الله علينا بنعم كثيرة وعظيمة لاتعد ولاتحصى قال تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فنِعم الله - عزوجل - نجدها في كل شي كائن في هذه الحياة سواء كان انسان, أوحيوان ,أو نبات ,أو جماد حتى في السموات السبع في علوها وأرتفاعها من غير عمد ,ولعلنا نتفكر في أنفسنا نحنُ البشر ومامنا الله به علينا في أجسامنا وعقولنا وتفكيرنا
يبدأ تكون الإنسان من نطفة قول تعالى ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ) (السجدة :7-
. ويقول أيضاً مبيناً دور النطفة في الخلق ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِماَ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ) (الطارق 5-6) ، ويقول: ( خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ) (النحل : 4). ويؤكد البيان الإلهي أن صفات الإنسان تتقرر وتتقدر وهو نطفة ولذلك قال تعالى ( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ . مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) ( عبس17-19)
والنطفة الأمشاج في قوله تعالى (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) (الإنسان:2) ثم علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى اللهم عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها} ثم يصبح طفلاًوفي أثناء ذلك كله يبدأ فيه نعيّم الله وبديع خلقه في خلق العينين وحسن مظهرها في تركيبتها والأنف في استقامته والفم واللسان وانتشار العروق والأوردة والشرايين وخلق الدماغ ,والجمجمة والعظام
ثم كسى كل ذلك باللحم ثم الجلد . قال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:12-14].
ياسبحان الله ما أحسن خلقلك وبديع جمالك فينا ثم عندما يخرج هذا الطفل الرضيع إلى احضان امه يدر الله له لبن امه بكثرة ليشرب ويرتوي وكأنه قادم من سفر . ففي كل شهر يمر عليه من حياته تبدأ فيه مراحل التغير والتطور , فمن طفل رضيع إلى طفل يحبو ثم يمشي وتتابع الخطوات خطوه تلو خطوه حتى يصبح شابا نافعا ذو قدرة على الأبداع والأنجاز و المساهمة في عمارة الأرض
فبعد مرحلة الشباب والقوة يأتي مرحلة مرحلة الشيخوخة التي يصب فيها الإنسان بالصغف ورقة جلده وضعف بصره وينحني ظهره ويضعف عظمة قال تعالى {"ومنكم من يرد إلى أرذل العمر"} سورة النحل 70
ثم تبدأ أوراق عمر هذا الإنسان تتساقط شيئاً فشيئ حتى يقبض الله روحة بعد رحلة طويلة من الحياة قضاها هذا الإنسان وهو متنعم بنعم الله عليه .
فلقد أنعم الله _عز وجل_ على بني آدم بنعم عظيمة سخرها لهم ليعرفوه بها _سبحانه_، فيعبدوه ويوحدوه، ويقوموا بمهمة الخلافة في هذه الأرض، ويحققوا الغاية التي من أجلها خلقهم الله عز وجل. وإن من أعظم هذه النعم نعمة العقل والتفكير التي هي خاصية من خصائص الإنسان التي يتميز بها عن سائر الجمادات.
وكل ذلك مما يدعو إلى التفكر في عظيم مخلوقات الله، والتأمل في أنفسنا، والاستدلال بما في ذلك من الإعجاز الدال على عظمة الخالق واستحقاقه العبادة وحده لا شريك له، وصدق إذ قال في كتابه الكريم: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53].